الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
التجارة أساسها البيان والمُقابضة:
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الثالث والتسعين من دروس سورة البقرة، ولا زلنا مع الآية الثانية والثمانين بعد المئتين، وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)﴾
وصلنا إلى هنا: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ﴾ التجارة أساسها البيان والمُقابضة، من أين يأتي النزاع؟ إذا كان في البيان خطأ، كما قيل: الجهالة تفضي إلى المنازعة، فالتاجر الصادق المؤمن يبيِّن كل شيء، لا يُخفي عيباً، ولا يُخفي أجلاً، ولا يُخفي سعراً، وما من مشكلةٍ نشأت بين التجار إلا بسبب الجهالة، والبيان يطرد الشيطان.
التجارة إذا كان أساسها البيان الصحيح والتقابض يداً بيد فلا داعي للكتابة:
﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً﴾ التجارة الحاضرة أساسها التقابض؛ البائع يقبض الثمن، والشاري يقبض البضاعة، تقابض فعل مشاركة، فلابد من القبض، ولابد من الإيجاب والقبول، يقول له: بعتك، يقول له: قد اشتريت، صار هناك إيجاب، وصار هناك قبول، وصار هناك بيان، والحديث عن التجارة حديثٌ طويل جداً.
هناك خيار الشرط، هناك خيار العيب، هناك خيار الزمن، هنا بشكل مختصر التجارة الحاضرة أساسها البيان، وأساسها التقابض، فما دام هناك تقابض، التاجر قبض الثمن، والشاري قبض البضاعة، لا يوجد داعي للكتابة، ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ﴾ والعلاقات التجارية علاقات كثيفة ويومية، وأساسها الثقة، لكن ما دام هناك تقابض انتهى كل شيء، أما لو أن هذه البضاعة قبضها الشاري، ولم يدفع الثمن، لابدّ من التسجيل، انقلب الأمر إلى دَين، فلابد من تسجيل الدَّين، ولابد من تسجيل القيمة، والزمن، والأداء، كما هي الحالة في آيات الدين، ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا﴾ كأن الآية توَجِّهنا إلى أن التجارة إذا كان أساسها البيان الصحيح والتقابض يداً بيد ما من داع للكتابة، أما إذا حصل تأجيل في دفع الثمن، صار الثمن ديناً في ذمَّة الشاري إذاً يخضع لآية الدَّين.
﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ العلماء استثنوا الأشياء الخفيفة، هناك أشياء ثمينة كبيع بيت، أو بيع أرضٍ، أو بيع متجرٍ، أو شيء خسيس كبيع كأس من العصير، هذه لا تحتاج إلى لا إيجاب، ولا قبول، ولا إشهاد، هذه أشياء خسيسة يسمونها: بيع التعاطي، أعطيته خمس ليرات، أعطاك كأس شراب شربته ومشيت، ﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ في الأشياء الثمينة العلماء وجهوها.
أما الوقفة الدقيقة: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ .
1 ـ الكاتب لا ينبغي أن يكتب أكثر مما أُملي عليه ولا أقلَّ:
الكاتب لا ينبغي أن يكتب أكثر مما أُملي عليه ولا أقلَّ، وهناك مَن يستغل أمية المُمْلي فيكتب زيادة أو أقل، والشاهد ينبغي ألا يشهد لا زيادة ولا نقصان، فإن كتب الكاتب أكثر أو أقلَّ، أو شهد الشاهد أكثر أو أقلَّ فقد أضرّ بالحق، وضلل القاضي، ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ .
2 ـ لا ينبغي أن تضرّ الكاتب أو الشاهد في وقتٍ لا يناسبه:
المعنى الثاني من معاني: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ أي أن هذا الشاهد ينبغي ألا تُحرجه في وقتٍ هو عنده ثمين جداً، إنسان عنده عمل أساسي تقول له: الآن ينبغي أن تذهب معي إلى القاضي، ينبغي أن تكون واقعياً، فإذا كان هناك مجال لتأجيل الشهادة ليوم آخر لا تكن سبباً في إيذاء هذا الشاهد لأن الشاهد مكلف أن يشهد، ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ مادام قد كُلِف أن يشهد لا ينبغي أن تضره في وقتٍ لا يناسبه.
3 ـ لا ينبغي أن يكلف عملاً يخسر كسبه في اليوم دون أن تعوض عليه:
الشيء الثالث: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ ينبغي لو أنه يعمل عملاً يدوياً، يوماً بيوم، ويأكل من عمل يده، فإذا أمرته أن يذهب معك إلى مكان بعيد قد يقتضي ضياع يوم بأكمله، لابد من أن تعوض عليه مقدار كسبه في هذا اليوم، فالشاهد والكاتب لا ينبغي أن يشهد أكثر ولا أقلَّ مما هو عليه، ولا ينبغي أن يُحْرَج في وقتٍ لا يناسبه، ولا ينبغي أن يُكَلف عملاً يخسر كسبه في اليوم دون أن تُعَوِّض عليه، ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ .
العمل الصالح يجب أن تشجع صاحبه وتكافئه عليه حتى يترسَّخ الخير في المجتمع:
دائماً يوجد نقطة هو الذي يمنع الماعون، الذي يُقَدِّم خدمة دون أن يرى نتيجةً لها يزهد في خدمة الحق، هذا الذي ذكره الله عز وجل في القرآن الكريم حول الذين يراؤون ويمنعون الماعون، كل إنسان يعمل عملاً طيباً، وقد يكون إيمانه ضعيفاً، ولا يرى نتيجةً لهذا العمل الطيب يزهد في المعروف.
سمعت قصةً يغلب على ظني أنها صحيحة، إنسان يعمل على سيارة وجد فيها مبلغاً ضخماً جداً جداً، رجل مسلم بقي يحوم حول المكان الذي أخذ منه الراكب عشرين يوماً إلى أن عثر عليه، وقدَّم له هذه المحفظة التي فيها رقم فلكي، صاحب المال أخذ هذا السائق الذي يعمل على سيارة أجرة مباشرة إلى سوق السيارات، واشترى له سيارة جديدة، قال له: هذه لك، هذا المعروف يُشَجع، إنسان آخر لا يعطيه شيئاً، ماذا فعل الأول؟ شَجَّع على المعروف، ماذا فعل الثاني؟ منع المعروف.
طبعاً المؤمن يجب أن يَرُدّ اللقيطة إلى صاحبها أخذ أو لم يأخذ، قدَّر أو لم يقدر، هذا هو الحق، أما أنت حينما تُكْرِم هذا الذي جاءك بهذا المبلغ الكبير، وبحث عنك عشرين يوماً، وسلّمك إياه عدّاً ونقداً، يقول هذا السائق قال: والله مباشرة أخذني إلى سوق السيارات، واشترى لي سيارة جديدة أصبحت ملكي نظير هذه الأمانة، فأنت كلما وجدت عملاً صالحاً يجب أن تُشَجع صاحبه، أن تُثني عليه، أن تكافئه عليه حتى يترسَّخ الخير في المجتمع، فلذلك شاهد عطّلتَ له وقته، وجعلته بلا عمل طوال اليوم، وبعد أن انتهى قلت له: شكراً، أنت أضررته، أو يقول له: جزاك الله خيراً، هذه لا تكفي:
(( عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ. ))
هذه جزاك الله خيراً يمكن أن تكون إن كنت لا تستطيع أن تفعل شيئاً، إنسان أقوى منك، وأغنى منك خدمك خدمة، وأنت لا تستطيع أن تَرُدّ له هذه الخدمة، قلت له: جزاك الله خيراً، هذا يدخل تحت قوله تعالى: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ .
الكاتب والشاهد ينبغي ألا يغيرا معالم الحق:
ينبغي للكاتب ألا يكتب زيادة عما أُملي عليه، إن فعل أضرّ بالحق، وينبغي للشاهد ألا يشهد زيادة عما رأى وإلا أضرّ بالحق، وينبغي لطالب الشهادة وطالب الكتابة ألا يَغْبِن هذا الشاهد وهذا الكاتب، أن يعطيه حقه، ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ يجب له التعويض، وألا تُحرجه في وقت هو في أَمَسِّ الحاجة إليه، كما أن الكاتب والشهيد ينبغي ألا يُغيرا معالم الحق، لأن عدل ساعة يعدل أن تعبد الله ثمانين عاماً، والله هو الحق.
الظلم يهتز له عرش الرحمن، أنت قد تجد إنساناً بريئاً، وإنسان قويّ أَلْصَق به تهمة هو منها بريء، وأنت شاهد، وشهادتك مقبولة، واللهِ أن تذهب مع هذا الإنسان المظلوم وتشهد أمام القاضي، وأن تُقيم الحق أفضل من أن تعبد الله ثمانين عاماً.
لذلك مرة ذكرت لكم عقب الحرب العالمية الثانية أحد زعماء بريطانيا سأل وزراءَه عن أحوالهم، فكانت أجوبتهم عجيبة!! وزير الصناعة قال له: المعامل كلها مُهدّمة محروقة، وزير الزراعة: الحقول محروقة، وزير المالية: الخزائن فارغة، سأل وزير العدل قال: كيف العدل عندك يا فلان؟ قال: بخير، قال: كلنا إذاً بخير.
يجب أن نفهم أن القاضي قد يكون واحداً منكم، كلمة قاض يتوهِم الإنسان أن إنساناً يعمل في القضاء، أنت كتاجر قاض، قد تشهد شهادة صحيحة بمشكلة تجارية، تُدلي برأيك الصحيح، قد تُستشار في موضوع، في مجال الأسر، وفي مجال التجارة، في مجال الصناعة، وكم من حقّ هُضِم لأن الناس امتنعوا عن أداء الشهادة، هذا سلوك إبليس، يقول لك: نحن ليس لنا علاقة، أَسْلَم، فكل إنسان ينسحب من أداء شهادة أو من تحكيم فيه إحقاق للحق هذا إنسان خرج عن منهج الله عز وجل.
﴿وَإِنْ تَفْعَلُوا﴾ أي إن أضررتم بالشاهد والكاتب، إن كلفتموه ما لا يطيق، إن عطلتموه عن عمله، إن أحرجتموه بوقت لا يناسبه، أو إنّ هذا الكاتب إن أزاد أو نقص في شهادته أو كتابته، قال: ﴿وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ﴾ هذا من الفسق.
1 ـ الإنسان حينما يتقي الله ويستقيم على أمره يكون قريباً من الله:
﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ الإنسان حينما يتقي الله، أي حينما يستقيم على أمر الله يكون قريباً من الله، والله عز وجل نور السماوات والأرض، فإذا كنت قريباً منه نوَّر قلبك بالحقيقة، أي إنسان له اتصال بالله قلبه مُنَوَّر، يرى الحق حقاً والباطل باطلاً، يرى الحقيقة الصارخة، لا يؤخذ بالأشياء المزوَّرة، من صفات المؤمن أنه يرى ما لا يراه الآخرون، يشعر بما لا يشعرون، يوجد عنده حاسة سادسة نامية جداً، هذه يمكن أن تُفَسر بأن قلبه متصل بالله، ولأن الله نور السماوات والأرض فقلبه مُنوَّر بنور الله، فعنده رؤية صحيحة، وعنده حكمة، ويوجد عنده موقف مقبول، وموقف نظيف.
2 ـ الله تعالى يعلِّمنا بأفعاله وبخَلْقه وبكتابه وكل ما في الكون يدل عليه:
هناك رأي ثانٍ لهذه الآية: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ أي أطيعوا الله، قفوا عند أمره ونهيه، التزموا كتابه وسُنة نبيه، لأنه يُعَلّمكم دائماً، علمكم بخلقه، كل ما في الكون يدل عليه، علَّمكم بأفعاله، كل أفعاله تدل عليه، من أيام -هكذا سمعت-إنسان من أهل العلم صالح، أثناء قيادة مركبته تأذى، مسّ مركبة أخرى، صاحب المركبة الثانية كان سفيهاً، وأقذع له بالكلام، وقسا عليه قسوة غير معقولة، هو يكتب ورقة ويسجِّل: أنني أنا عنواني كذا، وأنا تسببت في إيذاء هذه المركبة، فصاحب المركبة سفيه جداً، وتكلم كلاماً قاسياً جداً وبذيئاً جداً بحقّ هذا الإنسان الطيب، بعد أيام انتقم الله منه انتقاماً شديداً، أي الله يُعلِّم بأفعاله، يُعلِّم بخَلْقه، يُعلِّم بكتابه، يُعلِّمك بخلقه، كل شيء في الكون يدل عليه، مثلاً: الفتاة زوَّدها الله بغشاءٍ، فما دامت طاهرة عفيفةً نقيةً هذا الغشاء يبقى إلى يوم الزواج، ليس له أية وظيفة فيزيولوجية إطلاقاً، وظيفته اجتماعية، أن هذه الفتاة لم يقربها إنسان من قَبل، هذا من فعل الله عز وجل، يُعلِّمكم الله عز وجل، يُعلِّمنا في خلقه، يُعلِّمنا في أفعاله، يُعلِّمنا بكلامه، قد يريك مناماً مخيفاً وأنت على وشك أن تفعل معصيةً كبيرة، ويُعلِّمك إذاً، يُحَذّرك من هذا المنام، قد تلتقي بإنسان يعطيك موعظةً بليغةً، وكأنه يعرف مشكلتك، هذا من تعليم الله لك، أي الأنواع التي يُعَلِّم بها الله عباده لا تُعَدّ ولا تحصى.
صفة الأمية في النبي وسام شرفٍ له أما غير النبي فهي وصمة عار له:
ما دام الله يعلِّمنا من خلال خلقه، ومن خلال كلامه، ومن خلال أفعاله، ومن خلاله رسله، ومن خلاله أنبيائه، ومن خلال العلماء الصادقين المخلصين العاملين، وكل شيء في الكون يدل عليه، أنتم لمَ لا تطيعون الله عز وجل؟ أنا لا أحبّ أن نفهم هذه الآية على أن الإنسان إذا اتقى الله يعلم كل شيء من دون دراسة، هذا كلام فيه مبالغة كبيرة، لأن النبي وحده يُوحى إليه، فصفة الأمية في النبي وسام شرفٍ له، لأن الله يُعَلِّمه، ولأن الله أراد أن يكون وعاء النبي طاهراً من ثقافات الأرض، فكل شيء ينطق به وحي يوحى.
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)﴾
كلمة النبي الأمي أعلى صفة، وعاء النبي طاهرٌ من كل ثقافةٍ أرضية، الله جلّ جلاله في عليائه تولى تعليمه.
﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)﴾
أما غير النبي اللهم صلِّ عليه إذا قال لك: أنا أُمّي، والله هذه وصمة عار بحقه، غير النبي لا يوجد من يعلمه، الإله لا يُعلِّم غير النبي، التعليم بالوحي، إنما العلم بالتعلُّم، أنا أريد ألا نفهم هذه الآية فهماً ما أراده الله عز وجل، لا اقرأ أبداً، لا أتعلم أبداً، أخي أنا يأتي لي إلهام، أنا موصول بالله، أعرف كل شيء من دون دراسة:
(( إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم. ))
[ الطبراني في الأوسط عن أبي الدرداء: حسن ]
وإنما الكرم بالتكرم، أي طريق العلم الحصري هو التعلُّم، لكن بعد أن تعرف الأمر والنهي، وتلتزم الأمر والنهي، مَن عمل بما عَلِم أورثه الله علم ما لم يعلم، إذا كان هناك إشراق، هذا متى يكون؟ بعد أن تطلب العلم وفق الطرق الصحيحة، وبعد أن تعمل بما علمت، لعل هناك إشراقاً منضبطاً بالكتاب والسنة، يكون لك مكافأة على طاعتك لله عز وجل، طبعاً هذا ليس حديثاً صحيحاً لكن حكمة، من عمل بما عَلِم أورثه الله علم ما لم يعلم، فهذه الآية يتخذها معظم الكسالى حُجَّة.
تقنين الله عز وجل تقنين تأديبٍ لا تقنين عجز:
﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ بالمعنى الذي أرادوه وهو أن يتقاعسوا عن طلب العلم، وألا يعبؤوا بهذا العلم الدقيق، وأن يعتمدوا على الإلهام، هذا المعنى ما أراده الله عز وجل، ولكن أنت حينما تتقي الله عز وجل تكون قريباً منه، فإذا كنت قريباً منه نَوّر قلبك بالحقيقة، لأن الله هو نور السماوات والأرض، هذا معنى.
والمعنى الثاني: أنت لمَ لا تطيع الله عز وجل فهو يُعلِّمك دائماً؟ أي هناك تعليم من الله لا ينتهي، مثلاً: باخرة ادّعى صانعوها أنها لا تغرق، أو أن القدر لا يستطيع إغراقها، فإغراق الباخرة درسٌ من السماء للأرض.
مركبة فضائية سموها المتحدي، يتحدَّون من؟ فبعد سبعين ثانية من إطلاقها أصبحت كتلة من اللهب، هذا درس من الله عز وجل، زلزال، أي مركز الزلزال يجب ألا يبقى شيء على شيء، إلا جامعٌ له مئذنةٌ عملاقة مع معهد شرعي، وما حول المئذنة، والمسجد، والمعهد الشرعي لا تجد حجراً فوق حجر، دمار كامل، أليس هذا تعليماً من الله عز وجل؟ الله عز وجل يُعَلّم البشر دائماً، يُعلمهم عن طريق الزلازل والبراكين، وعن طريق القحط والجفاف، الناس في ضجة كبيرة جداً من شُحّ الأمطار، يجب أن نؤمن إيماناً يقينياً أن الله إذا قنن فتقنينه تقنين تأديبٍ لا تقنين عجز:
﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)﴾
الله جلّ جلاله يتولّى تأديب الإنسان بصحته ورزقه:
الشيء الدقيق أيها الإخوة؛ مرة قرأت أن مرصداً عملاقاً اكتشف سحابة في الفضاء الخارجي، سحابة يمكن أن تملأ محيطات الأرض مجتمعةً ستين مرة في الأربع والعشرين ساعة بمياهٍ عذبة، الله قادر بأي مكان أن يصير تهطال ألفي ميليمتر، خمسة آلاف مليمتر، بل إن من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال مرةً:
(( ما عام بأكثرَ مطراً من عام. ))
[ البيهقي في السنن الكبرى موقوفا عن ابن مسعود ]
بعد تقدّم العلم صار بكل بلد يوجد مقاييس للأمطار، بالقطر الواحد يوجد خمسمئة مقياس أو أكثر على مستوى الأقضية ثم وُجِد أن كمية التهطال في العالم لا تزيد ولا تنقص، إلا أنها تتوزع كل عام توزيعاً معيَّناً، منطقة فيها فيضانات، منطقة فيها جفاف، لأن الله تولّى تأديبنا بأرزاقنا وصحتنا، ثبَّت لنا ملايين الأشياء، خصائص المعادن ثابتة، اشترى إنسان سبيكة ذهب، تبقى سبيكة ذهب، هذه نعمة كبرى، لو وجدها بعد أيام نحاساً يقول لك: ثمنها خمسمئة ألف!! خصائص المعادن ثابتة، خصائص البذور ثابتة، دورة الأفلاك ثابتة، لو ذهبت تتتبع الأشياء الثابتة ترسيخاً للنظام وتطميناً للإنسان وجدت الأشياء الثابتة لا تُعدّ ولا تحصى، هذه كله رحمة بالإنسان، ولكن الله لحكمة بالغة بالغةٍ حرك شيئين؛ حرك الصحة، وحرك الرزق، فإذا جاءت الأمطار كان الرزق الوفير، وإذا خفَّت الأمطار كان الخطر الوبيل:
﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)﴾
فالله جلّ جلاله يؤدبنا، لذلك:
﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)﴾
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)﴾
﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)﴾
وقياساً عليه القرآن.
الأنبياء يأتيهم الوحي أما غير الأنبياء فالعلم عندهم بالتعلم:
إلى سنوات لا تزيد عن عشر تجد الماء في الغوطة بعمق عشرة أمتار، خمسة أمتار، الآن ثلاثمئة متر لا يوجد ماء، حدثني أخ قال لي: حفرت أربعمئة متر بمكان لا يوجد ماء:
﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)﴾
ما قيمة الأبنية؟ والله ليس لها قيمة، ما قيمة المزارع؟ ما قيمة هذه البيوت الفخمة؟ منطقة بأكملها أسعارها هبطت إلى الثلث لشح المياه فيها، المزرعة ليس لها قيمة من دون مياه، فالله عز وجل يُقنن تقنين تأديب، والإنسان لابد له من أن يصطلح مع الله، ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ هذه الآية أساسية، يمكن أكثر الدعاة، أكثر المؤمنين، يذكرونها آلاف المرات، ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ لكن أريد ألا تُفهَم على الشكل التالي: ألا تدرس، لا تتعلم، لا تفهم القرآن، لا تحضر مجلس علم، يتوهم الإنسان الجاهل أن باتصاله بالله يعرف كل شيء، هذه للأنبياء وليست لنا، الأنبياء يأتيهم الوحي: ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ أما غير الأنبياء إنما العلم بالتعلم.
إن طلبت العلم وعملت به فهناك مكافأة إشراقية:
لابد من أن تطلب العلم، لكن إن طلبت العلم وعملت به هناك مكافأة إشراقية؛ قد يكون في قلبك نور ترى به الحق من الباطل، وهذا مؤيد بقوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28)﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)﴾
أي صفاء، الآن هناك تعبير حديث: شفافية:
(( عن عبد الله بن جعفر النبي عليه الصلاة والسلام دخل إلى بستان فرأى فيه جملاً، فلما رأى الجملُ النبيَّ حَنَّ، وذرفت عيناه، فجاء إليه النبيُّ، ومسح ذفريه وقال: من صاحب هذا الجمل؟ فجيء له بفتًى من الأنصار، قال له: يا أيها الفتى، ألا تتقي الله بهذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إليّ أنك تجيعه وتدئبه. ))
[ صحيح : الطبراني عن عبد الله بن جعفر كما في الكنز ]
هذه شفافية، وعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( عنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَراً بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ. ))
النخلة التي كان يخطب عليها حَنَّت إليه، هذه شفافية.
الله عز وجل يكرم المؤمن بفراسة صادقة وهذه لا تغني عن طلب العلم:
المؤمن الله عز وجل يُكرمه بإشراق، بنور في قلبه، برؤيا صافية، بفراسة صادقة، هذه لا تُغني عن طلب العلم.
المعنى الأول: اتقوا الله، إن اتقيتم الله عز وجل كنتم قريبين منه، هو نور السماوات والأرض، يلقي في قلبكم النور، إذا اتقيت الله عز وجل قذف في قلبك النور.
والمعنى الثاني: لمَ لا تتقون الله وهو يعلمكم دائماً؟ بخلقه، وبأفعاله، وبكلامه، وبأنبيائه، وبرسله، طرق التعليم التي نتعلمها من ربنا لا تنتهي، أحياناً الله عز وجل يُرسل مصيبة من جنس الذنب تماماً، هذا تعليم، إنسان بَخِل أن يدفع زكاة ماله، زكاة ماله فرضاً كانت إحدى عشر ألفاً وخمسمئة وثلاثين، صار معه حادث، صلح السيارة، بين تجليس، ودهان، وقطع، بلغ ما دفعه إحدى عشر ألفاً وخمسمئة وثلاثين بالضبط، هذا تعليم؛ أن هذا المبلغ الذي أحجمت عن دفعه، وهو فرضٌ عليك، دفعته غرامةً.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)﴾
طبعاً الرهن يمكن أن يكون في السفر وفي الحضر، قد لا يتيسَّر لك الكتابة، ممكن أن تأخذ رهناً، إلا أن العلماء قالوا: الرهن ينبغي ألا يُنتفع به، قد تنتفع به لصالح الشيء، أي قد تستخدم بِساطاً لو خزَّنته لأصابه العت، قد تستخدمه لصالح الشيء، والدابة تركبها بعلفها، وتأخذ حليب الشاة لإطعامها، أما الأصل ألا تنتفع من الشيء المرهون، فإذا انتفعت بهذا الشيء المرهون كان هذا الانتفاع نوعاً من الربا، ﴿فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ أما ما يفعله الناس، يستخدمون الرهن وينتفعون به فهذا شيءٌ مخالفٌ لمنهج الله عز وجل.
المؤمن يدلي بالشهادة الصحيحة ولا يخشى في الله لومة لائم:
﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ﴾ الرهن أحياناً يحلّ مشكلة، شخص لا تعرفه، ويوجد عنده قطعة ذهب ثمينة لا يحب أن يبيعها يريد قرضاً بمبلغ يساوي هذه القطعة، أعطاك هذه القطعة الذهبية، قال: هي رهنٌ، يجب أن تضعها في مكان أمين، فإذا جاء بالمبلغ تؤدي له هذه القطعة الذهبية، ﴿فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ يقول بعض العلماء: الساكت عن الحق شيطان أخرس، أحياناً المصلحة أن تكتم الشهادة، إن شهدت الحق لعلك تتأذى، لكن المؤمن يُدلي بالشهادة الصحيحة، ولا يخشى في الله لومة لائم.
﴿وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ ما الذي يحصل في المجتمعات؟ شخصٌ قوي اعتدى على إنسان ضعيف، هذا الشخص القوي لو عَلِم أنك شهدت لصالح الضعيف لنالك من أذاه الشيء الكثير، كل الناس أحجموا عن أن يشهدوا مع الضعيف، ضاع الحق، يجب أن تعتقد أن الله يحميك، وأن الله يحفظك، وأن كلمة الحق لا تُقَرِّب أجلاً، ولا تقطع رزقاً، ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ هناك قواعد مُستنبطة من حركة الحياة؛ شخص قوي جداً وظالم، واعتدى على إنسان، وأنت تعلم الحقيقة، دُعيت للشهادة، الإنسان غير المؤمن يقول لك: أنا ليس لي علاقة، إما أنه لا يشهد، أو يشهد لصالح الظالم، ضاع الحق بهذه الطريقة، أما المؤمن يعتقد أن الله يحمي مَن يشهد الشهادة الصحيحة، قال: ﴿وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ .
الملف مدقق